في النهر الصغير بدأ حكايته .. عاش؛ حياته الهادئه ... تتدفق الايام تلو الايام ... متشابهه لا بأس ... مبطئه احيانا ومتسارعه في اوقات اخرى ... يشعر ببطئها عندما يتعكر صفو الماء من حوله بفعل فاعل ... وتتسارع عندما تزول الكدرة وتحركها نسائم الفرح ... ثم يمضي فلا مجال لديه للتوقف ... ولا يمكنه مهما كانت حجم احزانه ومهما كانت مكانة من فقدهم ... فالتيار رغم هدوءه يدفعه ... لم يعتد الوقوف بوجهه ... يوقن ان الاتجاه عكس التيار و لو كان وقوفاً لا جدوى منه ... يعتبرها اضاعة للوقت و خسارة للجهد ... فالحياة في النهر لن تقف لاعتراضه ولن يجد من الاخرين الذين فهموا طبيعة الحياة اي مسانده ... فالامر بات واضحًا للجميع ... باتت شخصيته كالتهر الذي عاش فيه زمنًا ... فالهدوء وصفه ... و الفيض عطاؤه ... و الجفاف حزنه ... و الجمال حكم العين عليه ... حتى التميز كان من نصيب كل من اقترب منه.
كان يعلم ان حياته في النهر غير دائمه فالنهر يسير ومرحلته القادمه هي مصب النهر ... ليواجه فيها امواج البحر و اشياء اخرى كثيره ... و لكن لطول النهر ... تأخر في الوصول الى المصب ... و صل بعد ان اكتملت شخصيته ... وكان اصطدامه بملوحة الحياة الجديده امراً غير يسير لكنه كان متشبعاً بعذوبة النهر ... في البحر كان هدفه ان يغلف لؤلؤته و اهم ما يملك بصدفة قويه لكي لا يتأثر بياضها ... فلم يتسرب الى داخله شيئاً من ملوحة بيئته الجديده ولكنه احسن استغلال المتاح لحماية جوهرته ... اختلط باحياء البحر فكان متميزًا بينها لم يكن الاقوى و لكنه الانقى ... عانى الكثير في حياة البحر ... كان يحسن التجديف معتمداً على نفسه ... فوصل لهدفه دون ان يتنازل ودون ان يسلبه احد شيئا من كنوزه التي احتضنها و دافع عنها بقوه ؛ دون ان يعادي احداً ... عاش في بحرنا زماناً يُعلم و يٌرمم صدف قلوبنا حتى لا تغيره الايام .
في تواضع ارسى لمن حوله منهاجاً لاشياء كثيره ... هداهم الى أسرارالنفوس ومفاتحها بطريقة عمليه ... وارشد لاقصر الطرق الى الاخر ... كان دوماً يقول: "ما اجمل قلوب البشر ... فيها الصالح وان كان فيها الطالح و لكن الخير نحن من نصنعه" ... اتعجب من مقولته ... شبه الدائمه لنا:" فتشوا عن الحب بقلوب الآخرين ... ليس لحاجتكم له ... و لكن؛ لان هذه القلوب بها من الخير ما يستحق اكتشافه ... بها من الحب ما يمكن به اصلاح الكون اذا تمكنا جمعها من جديد" ... دعى كل فريقه صغيرهم قبل الكبير ليشاركه سلطته ... فنادراً في زماننا من يدعوا غيره ليشاركه سلطاته ... فالكل يخاف عليها يبذل لها حتى وان كانت سلطة على الورق ... اما هو ... فالامر عنده ايادٍ ان لم تتشابك كلها فلن تنجز شيئاً ... وسلطته ليست الا اداة لجمع كل هذه الايادي لتعمل بروح واحده
ثم رحل سريعاً ... وطريقنا نحن؛ صغار معاونيه مازال في بدايته، لكنه ترك فينا اثراً... فمهما قدمنا فلن نوفيه حقه ...
لم تكن كالاخرين ابدا ... عشت خفيفاً من قيد النفس و قيد الماده ... حتى ابسط مباهج الحياة التي يملكها امثالك لم تلتفت لها ... رحلت خفيفاً كما عشت بيننا ... ستظل ذكراك في نفوسنا عذبة كعذوبة النهر الذي حملك الينا، عطرةً كعبق الزهور على جانبي ذلك النهر، عالية المكانة نتمنى جميعنا ان نصل اليها يوماً.
رحمك الله رحمة واسعه